إن الإسلام تنظيم كامل وشامل ، أكرم الله الإنسان وشرفه به ، لكي يعيش أياماً سعيدة في حياته على هذه الأرض، وسعادته إنما تتم بأن يهتدي إلى هويته أولاً ، فيعرف أنه عبد مملوك لإله واحد متصف بكل صفات الكمال هو عز وجل ، ثم بأن تتحقق من حوله أسباب عيش كريم يمكنه من ممارسة عبوديته له عز وجل ، ولا تتوفر للإنسان أسباب عيش كريم إلا عن طريق التعاون والتكافل، على أساس من الاحترام المتبادل ، ودون أن يكون ذلك ذريعة بيد أحد لظلم أو استغلال .
والإسلام ـ من دون الشرائع الوضعية كلها ـ هو التنظيم الذي يحقق هذه الحاجة الأساسية والخطيرة للإنسان، في التئام مع فطرته وتصعيد لمزاياه ونفسيته.
وهو يحقق هذه الحاجة من خلال نظام متكامل يبدأ بتقويم العقيدة، ثم تقويم النظرة إلى الكون والحياة، ثم تقويم الخلق، ثم وضع الضوابط المنظمة والمقومة للسلوك، ثم تغذية ذلك كله والدخول تحت سلطانه باقتناع وطواعية.
وليست شريعة الزكاة إلا ضابطاً من جملة الضوابط الكثيرة التي شرعا الله تعالى لتقويم السلوك الإنساني بما يتلاءم مع شروط السعادة للمجموعة الإنسانية بوصفها التركيبي المتآلف، وبوصفها أفراداً ينشد كل منهم كرامته وسعادته الشخصية في هذه الحياة .
إن وظيفة الزكاة ـ في نظرة كلية شاملة ـ هي مراقبة الدخل الفردي أن لا يطغى في نموه على ميزان العدالة بين الأفراد ، وأن يظل نموه خاضعاً لأساس الاكتفاء الذاتي للجميع ، نلاحظ هذا في قوله عليه الصلاة والسلام لأصحابه الذين كان يرسلهم إلى المدن والقبائل : “ ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله “ … فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم “ أخرجه البخاري ( 1331 ) ومسلم ( 19 ) وغيرهم .