من أسماء الله الحسنى القدير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( القدير ) :
أيها الإخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم هو ( القدير ) ، ونحن حينما ونقرأ الآية الكريمة :
﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
( سورة الأعراف الآية : 180 )
1 – الإنسان ضعيف عاجز :
إذاً : أسماء الله كلها حسنى ، وصفاته كلها فضلى ، والإنسان في أصل فطرته ، مفطور على حب القدير ، هناك ضَعف في أصل خلق الإنسان ، هذا الضعف لصالحه ، هذا الضعف الذي في أصل خلق الإنسان أحد أسباب تدينه ، حتى الذين يؤمنون بديانات أرضيه ليس عندها أصل عند الله سبحانه وتعالى هم يلبون حاجه في نفوسهم أتت من ضعفهم ، فالضعيف يحتاج إلى قوي .
﴿ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴾
( سورة النساء ) .
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾ .
( سورة المعارج ) .
فالإنسان دون أن يشعر يتجه إلى قوي يلوذ به ، إلى قوي يحميه ، إلى قوي يدافع عنه ، إلى قوي يلجأ إليه .
فالإنسان حينما يتجه إلى الله الحقيقي خالق السموات والأرض ، يكمل ضعفه الذي أراده الله باعثاً إلى معرفة الله وطاعته ، وقطف ثمار عبوديته لله عز وجل .
فالإنسان ضعيف ، وهذا الاسم :
﴿ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
( سورة فاطر )
2 – الإنسان مفطور إلى الاتجاه إلى قوي :
بالمناسبة أيها الأخوة ، طبيعة النفس تقتضي أنها لا تتجه إلا لما توقن أنه يعلم ، ويسمع ، ويرى .
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾
( سورة غافر )
الله عز وجل إن تكلمت فهو يسمع ، وإن تحركت فهو يرى ، وإن أضمرت فهو يعلم ، يسمعك إذا دعوته ، ويراك إذا توجهت إليه ، ويعلم سرك وجهرك ، وفضلا ًعن ذلك الإنسان لا يتجه إلى جهة إلا إذا أيقن أنها تسمعه ، وأنها قادرة على أن تلبيه .
الإنسان بحاجه إلى مبلغ فلا يذهب إلى إنسان فقير ، لأن هذا مضيعة للوقت ، يذهب إلى من يتوهم عنده المبلغ .
إذاً : أنت تدعو من ؟ تدعو من يسمعك ، وتدعو من هو قادر على حل مشكلتك ، وتدعو من يحبك ، القوي الذي يعاديك لا تتجه إليه ، تتجه إلى قوي يريد أن يرحمك ، فلمجرد أن تدعو الله عز وجل ـ دقق ـ لمجرد أن تدعو الله عز وجل فأنت مؤمن بوجوده ، ومؤمن بسمعه وبصره وعلمه ، ومؤمن بقدرته ومؤمن برحمته .
لذلك قال تعالى :
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ﴾
( سورة الفرقان الآية : 77 )
عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ : { وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ، قَالَ :
(( الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ )) .
[ الترمذي ]
في رواية أخرى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ )) .
[ الترمذي ]
الدعاء هو العبادة ، فلمجرد أن تدعو الله من أعماق قلبك ، وأنت موقن بأنه يعلم ، ويسمع ، ويرى ، وهو قادر على أن يلبّيك ، وهو يحب أن يلبيك ، يحبك ويرحمك ، فأنت مؤمن .
لذلك بعض الأسماء أحياناً أقرب إلى الإنسان من بعض الأسماء الأخرى ، أنت إنسان ضعيف مفتقر :
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾
شديد الجذع ، حريص على ما في يديه :
﴿ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴾
ضعفك وهلعك ، وشدة خوفك ، وحرصك على ما في يديك ، هذه الصفات التي هي صفات ضعف في أصل خلقك هي لصالحك .
3 – كل شيء بيد الله القويّ :
مِن هنا يأتي اسم ( القدير ) ، إنك تعتز بقوي .
اجعل لربك كل عـز ك يستقر ويثبــت
فإذا اعتززت بمن يمو ت فإن عزك مـيت
***
أنت كمؤمن حينما تعتز بالله فأنت أقوى الأقوياء .
ورد في بعض الآثار : " إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، وإذا أدرت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يد الله أوثق منك بما في يديك ، إذا أردت أن تكون أكرم الناس فاَتق الله .
إخوتنا الكرام ، لا يجتمع مرض نفسي مع الإيمان ، لأن الله موجود ، كل شيء بيده .
تصور شابا سيق إلى الخدمة الإلزامية ، ووالده قائد الجيش ، وفي الجيش عريف ، ومساعد ، وملازم ، وملازم أول ، ورائد ، ومقدم ، وعقيد ، وعميد ، كلها هذه الرتب مهما علت فهي تحت قبضة أبيه ، فإذا هدده عريف وبكى فهو غبي جداً .
4 – الإيمان بأن الله قويٌّ يبعث على الطمأنينة والثبات والنصر :
حينما يؤمن الإنسان بالله فأيّ قوي هو في قبضة الله ، كل ما حولك بيد الله ، كل مَن حولك بيد الله ، كل مَن فوقك بيد الله ، كل مَن تحتك بيد الله ، لا يمكن أن يقبل خوف وفزع ، وهلع وانهيار مع الإيمان بالله ، بل إن الإيمان بالله أصل في الصحة النفسية ، التماسك والقوة والمعنويات المرتفعة ، ومواجهة الأخطار بثبات ، ورباط جأش يحتاج إلى إيمان .
القصص التي يرويها القرآن هي لمن ؟ هي لنا :
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾
( سورة الشعراء )
بل بالمنظور الأرضي احتمالات النجاة صفر ، فرعون بجبروته ، بقوته ، بأسلحته ، بحقده ، بطغيانه ، وراء فئة وشرذمة قليلة جداً مستضعفه خائفة ، وصلت إلى البحر ، وهو مِن ورائهم .
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾
( سورة الشعراء )
الله عز وجل يريدك أن تثق به ، يريدك أن تكون مطمئناً لقدرته ورعايته .
فلذلك من صفات المؤمن أنه واثق من نصر الله عز وجل ، النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذهب إلى الطائف وكذبه أهلها ، واستخفوا به ، واستهزؤوا به ، وأغروا صبيانهم ، أي نالوه بالأذى ، وسال الدم من قدمه ، الآن قفل راجعاً إلى مكة ، يقول له زيد : يا رسول الله ، كيف ترجع إلى مكة وقد أخرجتك ؟ أنا أتصور إذا كان هناك خط بياني الدعوة قد وصل الخط إلى النهاية الصغرى ، مكة أخرجته ، وكذبته ، وكفرت بدعوته ، واستهزأت به ، فلما لجأ إلى أهل الطائف فعلوا به أشنع مما فعل أهل مكة ، ليس له أحد ، فقال كلمة لا تنسى ، قال : يا زيد إن الله ناصر نبيه ، هذه ثقة الإنسان بالله مبعثها معرفته .
ولما انتقل من مكة إلى المدينة مهاجراً ، ووضعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، مكافأة على من يقتله ، أو من يقبض عليه ، وهذا رقم فلكي في مقاييس ذلك العصر ، تبعه سراقه ليلقي القبض عليه ، أو ليقتله ، ويأخذ المئة ناقة ، فقال له النبي الكريم بكل بساطه : يا سراقة ، كيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟ ماذا يقول ؟! أنت ملاحق مهدور دمك ، تقول : كيف بك يا سراقه إذا لبست سواري كسرى ؟ أي أنك سوف تصل إلى المدينة سالماً ، وسوف تؤسس دولة ، وسوف تنشئ جيشاً ، وسوف تحارب أقوى دولة في العالم ، وسوف تنتصر عليها ، وسوف تأتيك غنائم كسرى إلى المدينة ، ولك يا سراقه سوار كسرى .
أيها الإخوة ، الآن العالم الإسلامي خطه البياني في النهاية الصغري ، في الحضيض ، اصطلح العالم كله على محاربته ، وأي عمل عنيف على سطح الأرض ينسب إلى المسلمين ، والعالم شرقاً وغرباً يحارب المسلمين ، والإعلام بكل قوته يحارب المسلمين ، والمؤمن الصادق لا تضعف معنوياته أبداً ، إن الله ناصر هذا الدين ، إن الله لا يتخلى عن المؤمنين ، وأخطر شيء في حيات الأمة أن يهزم الإنسان من الداخل :
﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران )
أوهام لا أساس لها من الصحة تتناقض مع الإيمان بالله :
إخوتنا الكرام ، إذا توهم الإنسان توهماً أن الله لا يعلم ما يجري فهذا يناقض إيمانه بالله ، لأن الله عز وجل يقول :
﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا ﴾
( سورة الأنعام الآية : 59 )
وإذا توهم أن الله لا يقدر أن يدمر أعداءه هو واهم ، وهذا يناقض إيمانه بالله عز وجل :
﴿ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
وإذا توهم أن الله لا يعنيه ما يجري في الأرض فهو واهم ، لأن الله عز وجل يقول :
﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾
( سورة الزخرف الآية : 84 )
وإذا توهم أن أعداء المسلمين يفعلون شيئاً ما أراده الله فهو واهم ، لقول الله عز وجل :
﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ ﴾ .
( سورة الأنفال ) .
يجب أن تؤمن أن الله يعلم ، وهو قادر ، ويعنيه ما يجري في الأرض ، وهؤلاء أعداؤه لا يستطيعون أن يتحركوا إلا بإذنه ، ولن يتفلتوا من قبضته .
إذاً : هناك حكمة بالغة فيما يجري ، ولصالح المسلمين ، ولكن هذه نعمة باطنة ، وليست نعمة ظاهرة ، قال تعالى :
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾
( سورة لقمان الآية : 20 )
إذاً : كلمة ( القدير ) تملأ النفس طمأنينة ، تملأ النفس ثقة بنصر الله عز وجل .
5 – ورودُ اسم ( القدير ) في الكتاب والسنة :
هذا الاسم أيها الإخوة ورد في القراَن وفي السنة معاً ، في القرآن ورد في قوله تعالى في سورة الروم :
﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾
( سورة الروم )
ورد أيضاً في ثلاثين موضعا في القرآن الكريم ، كقوله تعالى :
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ .
( سورة آل عمران )
في ثلاثين آية في القراَن ورد فيها :
﴿ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
وآية واحدة ورد فيها :
﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾
وفي الحديث الشريف في قوله عليه الصلاة والسلام :
(( لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ؛ اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ )) .
[ رواه البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه ]
وهذا هو التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد :
(( اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ )) .
كن مع الله ترَ الله مـعك و اترك لكل وحاذر طمعك
و إذا أعطاك من يمنـعه ثم من يعطي إذا ما منعـك
***
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ﴾
( سورة فاطر الآية : 2 )
إذا كان الله معك فمن عليك ؟! وإذا كان عليك فمن معك ؟! ويا رب ، ماذا فقَد من وجدك ؟ وماذا وجد مَن فقدك ؟
شيء آخر ، في ثلاثين موضعا في القراَن الكريم ورد اسم ( القدير ) ، من هذه المواضع مثلاً :
﴿ عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾
( سورة الممتحنة )
إذاً : هذا الاسم ( القدير ) ورد في القراَن والسنة .
6 – اشتقاق اسم ( القدير ) في اللغة العربية :
من أي فعل اشتُق ؟ إما من التقدير ، وإما من القدرة ، فالإنسان أحيانا يكون عالما ، إذاً : عنده تقدير دقيق ، و أحيانا يكون قويا عنده قدرة ، وأحياناً تلتقي مع إنسان بأعلى درجات العلم ، لكنه لا يملك أن ينفذ ما يطمح إليه ، وقد تجد إنسانا آخر في أعلى درجات القوة ، ولكن لا يعلم ماذا يفعل ، فهو إمّا قوي لا يعلم ، وإما عالم لا يقدر .
تماماً كما ذكرت من قبل : أحياناً الإنسان يقدر إنساناً ولا يحبه ، وقد يحب إنساناً ولا يقدره ، يكون الأب ، وتكون الأم أحياناً بأعلى درجات الحب ، لكن لم يتح لها أن تكون مثقفة ثقافة عالية ، لها ابن يحمل أعلى شهادة ، يحب أمه حباً لا حدود له ، لكن في ميزان العلم لا وزن لها ، وقد يلتقي مع إنسان عالم كبير لكنه لئيم ، فيقدّر علمه ، ولا يحبه ، لكن الذات الإلهية بقدر ما تعظمها بقدر ما تحبها .
﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾
( سورة الرحمن )
بالجلال تعظمه ، وبالإكرام تحبه ، هذه أسماء الله الحسنى .
الله عز وجل قدير ، من التقدير ، يعني أنه ذو علم دقيق جداً ، وقدير من القدرة ، فبقدر ما تطمئن إلى علمه تطمئن إلى قدرته ، وبالعكس ، وبقدر ما تطمئن إلى قدرته تطمئن إلى علمه .
فإذاً : اسم ( القدير ) مأخوذ من التقدير ، أو من القدرة .
للتقريب : طبيب يتفقد مرضاه ، وقف عند مريض ، قرأ اللائحة الطبية ، رأى الضغط مرتفعا ، وهو طبيب ، أعطى أمراً ، وأمره نافذ ، أن يوقفوا الملح في الطعام ، الأمر سلطة ، وقراءة التقرير علم ، أن الضغط مرتفع ، والضغط المرتفع خطر ، فأعطى أمراً بمنعه من تناول الملح في وجباته الرئيسية .
7 – اسم ( القدير ) يدور مع الإنسان في جميع حياته :
الله عز وجل له قضاء وقدر ، القضاء علم ، والقدر تقدير ، وهذا الاسم يدور مع الإنسان في كل شؤون حياته ، الله عز وجل علم من هذا الإنسان كبراً ، فهيأ له معالجة حكيمة ، وضعه بموقف وقد أُهين به ، حينما يهان يتألم أشد الألم ، ثم يلقي في روعه أن هذه الإهانة بسبب الكبر الذي يظهر منك ، فصار الله عز وجل قديرا يعلم بدقة ، وقدير يملك القدرة كي يعيده إلى الصواب .
الله عز وجل قدير ، وقدير صيغة مبالغة لقادر ، قادر قدير ، غافر غفور غفار ، وصيغ المبالغة كثيرة جداً ، فاعول فاروق ، فعِل حذر ، لو عدتم إلى كتب اللغة لرأيتم صيغ المبالغة صيغاً عديدة ، منها فعِل ، فلان حذر ، فلان فاروق ، يفرق بين المتناقضات .
لذلك قادر اسم فاعل ، وقدير صيغة مبالغه لاسم الفاعل ، مقتدر من اقتدر ، والفعل خماسي فيه حروف زائدة ، والزيادة في المبنى دليل على الزيادة في المعنى .
أيها الإخوة ، الله عز وجل مع عباده يعلم أحوالهم ويعالجهم ، وكما يقول العوام : العين بصيرة واليد قصيرة ، هذا شأن الإنسان ، وقد يكون الإنسان قديرا ، لكنه جاهل ، قدير جاهل ، متعلم ضعيف ، لكن الله قدير ، قدير بعلمه ، قدير بقوته .
إذا لُذت به فأنت في مأمن ، وأنت في راحة ، وأنت في طمأنينة ، والله عز وجل قال :
﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
( سورة الرعد الآية : 28 )
وبالمناسبة من باب التعليق اللغوي : لو أن الله قال : تطمئن القلوب بذكر الله ، ما المعنى ؟ أي أنها تطمئن بذكر الله وبغير ذكر الله ، إما حين يقول :
﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
فيعني : لا تطمئن إلا بذكر الله ، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطمئن إلا إذا كنت مع الله ، لأن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال والقوة لكل الناس ، لكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه من المؤمنين ، والأمن نعمة يختص بها المؤمن :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾
( سورة الأنعام )
إذاً : أيها الإخوة ، ( القدير ) ، من القدرة ، و( القدير ) من العلم من التقدير ، قدير من التقدير ، قدير بالقدرة ، هو يعلم ، وقادر على أن يعطيك سؤلك .
لذلك عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ )) .
[ الترمذي ]
خاتمة :
وهذا الاسم العظيم من أقرب الأسماء إلى الإنسان ، فأنت ضعيف وهو قدير ، أنت فقير وهو غني ، أنت لا تعلم وهو يعلم ، يا رب أنا لا أعلم ، لكنك تعلم ، أنا ضعيف ، لكنك قوي ، أنا فقير ، ولكنك غني ، والإنسان المؤمن يقوى بمن يعبده ، فأنت ضعيف ، لكنك مع القوي .
أيها الإخوة الكرام ، معية الله لها نوعان : معية عامة ، فهو معكم أينما كنتم ، ومعية خاصة معية المؤمنين ، فهو معكم بعلمه ، لكنه الله مع المؤمنين ، معهم ناصراً وحافظاً ، ومؤيداً وموفقاً ، إذا قال الله عز وجل :
﴿ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنفال )
أي معهم بحفظه وتأييده ، ونصره وتوفيقه .
أيها الإخوة الكرام ، لا زلنا مع اسم ( القدير ) .
1 ـ الإنسان ضعيف :
الله جل جلاله قدير ، والإنسان ضعيف ، وشأن الإنسان أن يكون مفتقرا إلى الله ، وشأن الله أن يقوي الإنسان الذي افتقر إليه ، وهذا من خصائص الإنسان ، الله سبحانه وتعالى جعل في أصل خلق الإنسان ضعفاً لصالحه ، لأن الإنسان لو خلق قويا لاستغنى بقوته ، فشقي باستغنائه ، خُلق ضعيفا ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره ، شأن الإنسان أن يكون ضعيفاً ، لكنه يقوى بالله عز وجل .
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إلاّ الُمُصَلّيِنَ ﴾
( سورة المعارج )
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾
والهلوع شديد الجزع ، فشأن الإنسان أنه جزوع هلوع ومنوع ، وشأن الإنسان أنه ضعيف ، لكن الإنسان إذا افتقر إلى الله يقوى ، إذا افتقر إلى الله يصبح عالماً ، إذا افتقر إلى الله يصبح غنياً .
يا أيها الإخوة الكرام ، العبد عبد ، والرب رب ، ما مِنْ إنسان افتقر إلى الله عز وجل كرسول الله ، ومع ذلك رفع الله شأنه ، وأعلى قدره ، قال الله تعالى :
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
( سورة الشرح )
درسان بليغان من غزوة بدرٍ وحنين :
فكلما افتقرت إلى الله تولاك الله ، وكلما اعتدت بنفسك تخلى عنك ، ودرس بليغ من غزوة بدر .
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 123 )
في بدر الصحابة الكرام افتقروا إلى الله فانتصروا ، أما في حنين :
(( وقد أعجبتهم كثرتهم قالوا : لن نغلب من قلة )) .
[ أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عباس ]
نحن كثيرون ، قال تعالى :
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَم تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾
( سورة التوبة )
وهذان درسان بليغان في حياتنا ، إذا قلت الله تولاك ، ونصرك ، وأيدك ، وحفظك ، ووفقك ، إذا قلت : أنا ، خبراتي ، ثقافتي ، أسرتي ، جماعتي ، حينما تعتد بغير الله يتخلى عنك ، هذا درس بليغ .
لذلك ورد في بعض الآثار :
(( ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا ، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف له ذلك من نيته إلا جعلت الأرض تحت قدميه ، وقطعت أسباب السماء بين يديه )) .
[ رواه ابن عساكر عن كعب بن مالك ]
إذاً : الله عز وجل قدير ، الله عز وجل عليم ، الله عز وجل غني ، المؤمن يفتقر إلى الله .
وما لي سوى فقري إليك وسيلة فبالافتقار إليك فقري أدفع
وما لي سوى قرعي لبابك حيلة فإذا رددت فأي باب أقرع
الافتقار إلى الله يرفه شأن العبدَ :
افتقر يرفع الله شأنك ، افتقر ينصرك ، افتقر يؤيدك ، افتقر يعزك ، قل أنا ، يتخلى الله عنك .
مَن نحن أمام أصحاب رسول الله ؟ في حنين أصحاب النبي وهم صفوة الخلق ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( إن الله اختارني واختار لي أصحابي )) .
[ الجامع الصغير عن أنس بسند ضعيف ]
ومع ذلك هم نخبة الخلق ، وفيهم سيد الخلق ، لما اعتدوا بأنفسهم ، وقالوا :
(( لن نغلب من قلة )) ، تخلى الله عنهم ، فمَن نحن ؟ .
لذلك أيها الإخوة :
﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
( سورة الأعراف الآية : 180 )
هو ( القدير ) ، هو القوي ، هو الغني ، شأن العبد أن يكون مفتقرا إلى غنى الله عز وجل ، شأن العبد أن يعترف بضعفه أمام الله عز وجل ، شأن العبد أن يكون مفتقرا إلى رب العالمين .
لذلك ما لم يفتقر العبد إلى الله ، ما لم يمرغ جبهته في أعتاب الله ، ما لم يتذلل إلى الله فيما بينه وبين الله فلن يستطيع أن يأخذ من كمالات الله .
أيها الإخوة ، ضعف العبد باعث إلى الإقبال على الله ، ضعفه هو الذي يدفعه إلى الله ، والنقطة الدقيقة جداً بقدر افتقارك إلى الله تكون قوياً وغنياً وعالماً ، والشيء الذي ينبغي أن يقال بوضوح : الله عز وجل يرفع قدر العبد بين الخلق ، إذا أحب الله عبداً ألقى محبته في قلوب الخلق .
لذلك الله عز وجل ( قدير ) ، والله عز وجل قادر ، والله عز وجل مقتدر ، قادر اسم فاعل ، قدير اسم مبالغة من اسم الفاعل ، مقتدر من فعل اقتدر ، وفي صحيح الإمام البخاري يقول عليه الصلاة والسلام :
((لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ )) .
هناك من يملك ولا يحمد ، هناك من يحمد ولا يملك ، لكن الله جل جلاله له الملك وله الحمد ، ذو الجلال والإكرام ، بقدر ما تعظمه بقدر ما تحبه ، مالك الملك بيده كل شيء لكن كماله مطلق ، يملك ويُحمد .
(( لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ ، وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) .
2 ـ قدرةُ الله متعلقة بكل شيء ممكنٍ :
قوة الله عز وجل مطلقة ، تعلقت بكل ممكن .
لذلك لو أن الإنسان أصيب بمرض عضال يقين المؤمن أن الله على كل شيء قدير ، لو كان وحيداً وأعداؤه كثر إن الله على كل شيء قدير .
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
( سورة الشعراء )
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾
( سورة الأنبياء )
إنسان دخل إلى بطن الحوت ، وفي البحر ، وفي الليل ، وفي ظلمة بطن الحوت ، سيدنا يونس :
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنبياء )
هل من مصيبة أكبر من أن يجد الإنسان نفسه فجأة في بطن حوت ؟ وحينما عقب على هذه القصة بقوله :
﴿ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
قلبها إلى قانون ، لئلا تتوهم أن هذه قصة قد وقعت ولن تتكرر ، لئلا يغدو كتاب الله تاريخاً ، أراده قوانين :
﴿ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
أيها الإخوة ، القنوط من رحمة الله ، واليأس ، والشعور بالإحباط والاستسلام للقدر ، وأن تقول : انتهى المسلمون ، هذا من ضعف الإيمان .
﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران )
3 ـ العلمُ من لوازم قدرةِ الله :
بالمناسبة أكثر الآيات التي ورد فيها اسم ( القدير ) ورد مع القدير العليم ، لأن العلم من لوازم القدرة .
جراح بيده مقطع ، الشيء الدقيق جداً علمه ، هنا فيه عصب ، هنا فيه وريد هنا فيه شريان ، الجراح علمه بدقائق خلق الإنسان يجعله قديراً على إنجاح العملية .
لذلك : من لوازم القدرة العلم ، الله عز وجل يذكر في أكثر الآيات أنه عليم قدير ، فعلمه من لوازم قدرته ، القدرة قد تكون عشوائية ، لكنه إذا رافقها علمٌ تغدو قدرة واعية ، هذا في الإنسان ، فكيف بالواحد الديان ؟ ففي صحيح البخاري :
(( لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحمد )) .
إخواننا الكرام ، ليس مع الإيمان مرض نفسي ، وليس مع الإيمان إحباط ، وليس مع الإيمان شعور بالإخفاق ، وليس مع الإيمان يأس ، ليس مع الإيمان انكماش ، هذه كلها أعراض الإعراض عن الله عز وجل ، أما المؤمن لأنه يعلم علم اليقين أن أمره كله بيد الله ، وأن الخير كله من عند الله ، وأنه لا رافع ، ولا خافض ، ولا معز ، ولا مذل إلا الله ، وأنه لا معطي ، ولا مانع إلا الله ، فهذا اليقين عند المؤمن يرفعه عن أن ييأس ، أو عن أن يتطامن ، أو عن أن يستسلم ، معنوياته المرتفعة بسبب يقينه أن الأمر بيد الله ، الله عز وجل قبل أن يأمرك أن تعبده طمأنك ، وقال لك :
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
( سورة هود الآية : 123 )
التوحيد يملأ القلب أمنا وطمأنينةً :
إخواننا الكرام ، لا تحل مشكلاتنا بأن الله خلق السموات والأرض ، لا تحل مشكلاتنا إلا بالإيمان بأن الأمر بيد الله .
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾
( سورة الزخرف الآية : 84 )
﴿ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾
( سورة الكهف )
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ ﴾
آيات التوحيد تملأ النفس طمأنينة ، هو قدير ، وأنت ضعيف ، هو أقوى من أعدائك ، أقوى من كل قوة في الكون ، هو خالق السماوات والأرض .
﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾
( سورة الأعراف الآية : 54 )
إنسان يصنع طائرة ، ويبيع الطائرة ، الطائرة قوة مخيفة ، لكن بيد غير الصانع ، صنعت ، وبيعت ، الدولة التي اشترتها قد تقصف بها بلاداً صديقة للبلاد الصانعة لها .
أما الآية دقيقة جداً :
﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾
أيّ شيء خلقه أمره بيد الله .
الآية الثانية :
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾
( سورة الزمر )
ما من شيء مخيف إلا بيد الله ، بالضبط لو أنك رأيت وحوشاً كاسرة جائعة مفترسة مخيفة ، لكنها مربوطة بأزمة محكمة بيد جهة قوية حكيمة رحيمة عادلة ، علاقتك مع من مع ؟ الوحوش أم مع الذي يملكها ؟ مع الذي يملكها ، والآية الدقيقة :
﴿ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
( سورة هود )
إخواننا الكرام ، عندما يوحد الإنسان يمتلئ قلبه أمنا ، وأماناً ، وتفاؤلاً ، وبشراً ، الأمر بيد الله ، ولا يعقل ولا يقبل أن يسلمك الله إلى غيره ، ثم يأمرك أن تعبده ، طمأنك وقال :
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
هو القدير .
لذلك في صحيح البخاري :
(( لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) .
اللهم لا مانع لما أعطيت ، إذا أعطاك ما يمنعه ؟ لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، هذا التوحيد .
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ﴾
( سورة فاطر الآية : 2 )
(( اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ )) .
[ رواه البخاري ومسلم ، عن المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه ]
لا ينفع ذكاءُ العبد مع الله :
الذكي ، والعاقل ، والذي يتقد حيوية ونشاطاً ، وامتلاكاً لحيلة ، هذا لا ينفعه مع الله شيء .
(( إن الله تعالى إذا أحب إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه )) .
[ أخرجه الخطيب في التاريخ عن ابن عباس ] .
الذكاء لا ينفع مع الله عز وجل ، ينفع معه الاستقامة ، ينفع له أن تكون محسناً ، ينفع له أن تكون مستقيماً على أمره ، ينفع له أن تكون مفتقراً إليه ، ينفع له أن تكون محباً ، أما أن يكون ذكياً ، الله عز وجل :
(( إن الله تعالى إذا أحب إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه )) .
الأذكياء إذا اعتدوا بذكائهم يرتكبون حماقات لا أول لها ولا آخر .
﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾
( سورة محمد )
النجاح بيد الله ، ثمن النجاح الاستقامة ، أما الذكي ، والذي يملك خبرات عالية جداً ، والذي يملك أساليب ناجحة جداً ، والقوي ، والمعتد بنفسه فهذا الله عز وجل يأخذ منه عقله ، فيقع عليه العقاب الأليم .
وحينما يشرك الإنسان يؤتى من مَأمَنِه ، وأحياناً يتفوق طبيب باختصاصه تفوقًا كبيرًا ، ويتوهم أحياناً أنه لن يصاب بالأمراض التي اختص فيها ، فلحكمة بالغة الطبيب الهضمي يصاب بقرحة ، لأنه اعتدّ بعلم ، وظن أن علمه يمنعه من أن يصاب بمرض من اختصاصه ، والقوي يعتد بقوته ، فيأتي أضعف منه فينتصر عليه .
التوحيد أخطر شيء في الدين ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
إذاً :
(( لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ )) .
الذي أوتي حظاً من عقل :
(( وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ )) .
لا ينجيك من الله أن تكون ذكياً ، لا ينجيك من الله أن تكون ذا خبرة عالية جداً ، لا ينجيك من الله أن تكون لك جماعة إسلامية ، لا ينجيك من الله خطة وضعتها بإحكام .
لذلك أنا أقول دائما : إن أمة قوية خططت لبناء مجدها على أنقاض الشعوب ، وبناء رخائها على إفقار الشعوب ، وبناء قوتها على إضعاف الشعوب ، وبناء غناها على إفقار الشعوب ، وبناء عزتها على إذلال الشعوب ، إن هذه القوة الغاشمة نجاح خططها على المدى البعيد يتناقض مع وجود الله :
(( وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ )) .
لذلك :
(( الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني منهما شيئا أذقته عذابي ولا أبالي )) .
[ أخرجه أحمد ، وأبو داود وابن ماجة عن أبي هريرة ، ابن ماجة عن ابن عباس ] .
لذلك ورد في بعض الأحاديث :
(( من علم منكم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ما لم يشرك بي )) .
[ أخرجه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك عن ابن عباس ]
إخوانا الكرام ، الأصل هو العلم ، أن تعلم أن أسماء الله كلها حسنى ، وأن صفاته كلها فضلى ، لذلك هناك من يقول : يا رب لا نسألك رد القضاء ، ولكن نسألك اللطف به ، لا يا رب اصرف عني هذا كله ، لمَ لا تتوقع أن يكون هذا الشيء غير محقق ، لا ، اطلب من الله كل شيء .
4 ـ دعاء العبد ربَّه لأنه قدير على الإجابة :
عندما تدعو الله تكون عابدا لله ، كيف ؟ لمجرد أنك تدعو الله فأنت مؤمن بوجوده ، لأن الإنسان لا يدعو جهة لا يؤمن بها ، ولمجرد أنك إذا دعوت الله أنك مؤمن بسمعه ، يسمعك ، لأن الإنسان في الأصل لا يدعو جهة لا تسمعه ، ولمجرد أنك دعوت الله فأنت مؤمن بقدرته .
إن إنساناً مفتقر إلى مبلغ كبير لا يسأل طفلاً صغيراً لا يملكه ، ولمجرد أنك تدعو الله فأنت مؤمن برحمته ، والذي يدعو الله مؤمن بوجود الله ، وبسمعه ، وبقدرته ، وبرحمته .
لذلك :
(( الدعاء هو العبادة )) .
(( الدعاء مخ العبادة )) .
[ أخرجه الترمذي عن أنس ]
لأن الله عز وجل يقول :
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ﴾
( سورة الفرقان الآية : 77 )
علامة إيمانك الصحيح أن تدعو الله ، والدعاء سلاح المؤمن ، وأنت بالدعاء أقوى إنسان ، إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، وإذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك ، وإذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتق الله .
لذلك أيها الإخوة :
﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا ﴾
( سورة الأحزاب )
القدر الفعل ، والمقدور العلم ، الله عز وجل عليم قدير ، القضاء والقدر ، القضاء هو الحكم ، والقدر تقدير فعل بحسب العلم .
الله عز وجل يطلع على إنسان مستقيم ، علم الله باستقامته يقدر له توفيقاً ، يطلع على إنسان كاذب علم الله بكذبه يقدر له علاجاً ، فمجمل القضاء والقدر أن الله يعلم ، ويقدر لهذا الإنسان ما يناسبه .
تماماً كالطبيب وقف أمام مريض ، أخذ ملفّه فوجد فيه أن الضغط مرتفع جداً ، علمه بضغطه المرتفع جعله يعطي أمراً بمنع الملح عنه ، ووصف دواء يخفض الضغط .
أنا أبّسط ، لا تعقّد الأمور ، الله عز وجل يعلم ، وحينما يعلم يقدر لك الشيء المناسب ، فقضاؤه وقدره علمه وحكمته ، علمه ومعالجته ، وكل شيء بقضاء من الله وقدر ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والقضاء والقدر يذهب الهم والحزن .
(( ولكل شيء حقيقة ، وما بلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه )) .
[ أخرجه أحمد ، والطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه ]
هذا هو التوحيد ، وهذا هو الإيمان بالله .
خاتمة :
فيا أيها الإخوة ، مرة ثانية شأن العبد أن يكون فقيراً ، وشأن العبد أن يكون جاهلاً ، وشأن العبد أن يكون ضعيفاً ، الضعيف إن أقبل على الله يقوى ضعفه ، والفقير إذا أقبل على الله يغتني بإقباله ، والجاهل إذا أقبل على الله يعلمه الله .
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾
( سورة النساء )
لذلك : يمكن أن تضيف إلى اللبن خمسة أضعاف حجمه ماء ، ويكون شراباً سائغاً ، لكن لا يحتمل اللبن قطرة واحدة من البترول ، عندئذٍ لا تشربه ، يعنى العبادة مما يناقضها الشرك .
﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ﴾
( سورة النساء الآية : 48 )
مما يناقض العبادة الشرك بالله عز وجل ، لكن ما دام فيه توحيد ، ما دام فيه استغفار ما دام فيه إقبال ، ما دام فيه اعتراف بالذنب ، الله عز وجل غفور ، وما أمرنا أن نستغفره إلا ليغفر لنا ، وما أمرنا أن نتوب إليه إلا ليتوب علينا ، وما أمرنا أن ندعوه إلا ليجيبنا .
فشأن العبد أن يكون ضعيفاً ، مفتقراً ، وشأن الرب أن يكون معطياً ، جواداً كريماً ، فالقدير من أقرب الأسماء الحسنى إلى الإنسان ، لأنه ضعيف .
لذلك الباعث عن التدين في الإنسان ضعفه ، وعظمة الله عز وجل ، حتى الذين ضلوا سواء السبيل ، وعبدوا آلهة غير الله ، هم بهذا الباعث ، بباعث من ضعفهم عاشوا في الأوهام ، لكن المؤمن عاش مع الواحد الديان .
والحمد لله رب العالمين