بسم الله والحمد لله الذي خصَّنا من بين سائر الأمم بشهر الصيام، وجعله غُرة وجه العام.
وبعدُ:
فتختلف العادات بين الشعوب الإسلامية، وتتعدَّد خلال أيام السنة، لكنها تبرز بشكل جلي في شهر الصيام، وأرصد في ما يلي ما يميِّز القطر الجزائري من تقاليد وعادات اجتماعية ترتبط بشهر رمضان الفضيل:
نسيج اجتماعي متنوِّع يطبع ولايات الجزائر، جعل من موسم الطاعات فرصة لإبراز هذا التميز الموروث عن الآباء والأجداد، فقُبيل رمضان تحرص العائلات الجزائرية على تحضير ما يلزم لاستقبال هذا الضيف العزيز، فتجتهد ربَّة البيت في تنظيف المنزل، واقتناء أوان جديدة، وشراء ما يلزم للموائد الرمضانية، وخصوصًا التوابل التي تعطي النكهة الخاصة لكل الأطباق الجزائرية، إضافة للحوم البيضاء والحمراء، والخضر، وبقية لوازم ترتيب مائدة الإفطار.
ويختلف توقيت رمضان عن بقية أيام السنة، فأغلبية المؤسسات العامة تفتتح يومها في الساعة التاسعة صباحًا؛ لتُواصل تقديم الخدمات حتى الرابعة مساء عوضًا عن التوقيت الصباحي والمسائي المعتاد، وتنشط الحركة التجارية خلال يوم رمضان بشكل لافت للانتباه، في حين تحاول رَبة البيت إعداد مائدة الإفطار بعد أن خصَّص لها رب العائلة ميزانية مالية خاصَّة.
ويتباين البرنامج اليومي للجزائري: بين العمل، والدراسة، والاجتهاد في اغتنام أيام وليالي رمضان، حسب هِمة كل واحد، من تلاوة القرآن، والمداومة على صلاة الجماعة، والصدقة، وصلة الرحم، ومختلف أبواب العمل الصالح عمومًا.
وتشهد شوارع الجزائر سكونًا قُبيل آذان المغرب، إلا من خطوات المصلِّين إلى بيوت الله لأداء الصلاة، أما عبارة التهنئة بإتمام صوم يوم رمضان، فتتردَّد على لسان الصغير والكبير: "صَحَّ فطوركم".
إنه وقت الإفطار الذي يجمع أفراد العائلة الجزائرية حول مائدة واحدة، ويستهل الجزائريون الإفطار بتمر وشربة من حليب؛ اقتداء بالسنة النبوية، وتتميز مائدة الإفطار بأصناف مختلفة تتفنَّن الجزائريات في إعدادها وتنويعها، وتنسيقها على أحسن صورة، على أن تتزيَّن بأصناف معلومة تُرافق الصائم طيلة أيام الصيام: من الحريرة أو الشربة، والبوراك، والمعْقودَة، ويختلف الطبق الرئيس بين المقليات إضافة إلى "الطواجين"؛ وهي: أنواع مختلفة من المرَق - المالح أو الحلو - مع اللحم المرافق لبعض البقوليات والخضر، وأشهرها: "طاجين الزيتون"، و"طاجين الجلبان"، و"طاجين الزبيب والبرقوق"، وغير ذلك من الأصناف التقليدية، من غير إهمال للسلَطات والمقبلات، وما تيسَّر من الفواكه والمشروبات، كل أسرة حسب دخلها المادي.
وتظهر أواصر التكافل الاجتماعي بين الجزائريين من خلال ما يُعرف عندنا بـ "موائد الرَّحمة"، وهي موائد إفطار جماعية تقدَّم لعابري السبيل، والمحتاجين، والمشرَّدين؛ تحقيقًا للترابط الاجتماعي، كما انتشرت في السنوات الأخيرة ما يُعرف بـ "قُفَّة رمضان" هي للفقير والمحتاج عون.
أما ليالي رمضان، فتختلف عن باقي ليالي العام، فبعد الإفطار مباشرة، تتجدَّد الحركة عبر شوارع الجزائر، فمن الجزائريين مَن يقصد المساجد لأداء صلاة التراويح، ومنهم مَن يقصد المقاهي لقضاء وقت مع الأصدقاء، وغالبًا ما تكون الزيارات الأسرية بعد التراويح.
ومن أشهر الحلويات التي تزيِّن مائدة ما بعد التراويح: الزلابِيَة، وقلب اللوز، وأصبع القاضي، والقطايف، والمحنشة؛ حيث تتحوَّل المخابز والمحلات الخاصة ببيع مختلف أصناف الحلويات، إلى بيع أنواع بعينها قد لا تجدها في غير رمضان.
في حين يعدُّ "الكسكس" الطبق الشائع الذي يحضر خصِّيصًا لوجبة السحور، والذي يُصنع من القمح الصلب، على شكل حبيبات صغيرة الحجم، تُطبخ على البخار، وعادة ما يؤكل مع اللَّبن الرائب، وهناك من يفضِّل تناول ما تبقى من مائدة الإفطار.
أما ليلة النصف من الشهر الفضيل، فلها تقاليد خاصة تتكرَّر كل رمضان، بإعداد أصناف معينة من الطعام يتصدَّرها الرقاق - الثَّرِيد - بمَرَق الدجاج.
كذلك يوم السابع والعشرين من شهر الصيام الذي يختصُّ باحتفاء خاص، ففيه يختم القرآن الكريم بمساجد الجمهورية، وترى فيه عُمَّار بيوت الله في منظر مَهِيب يبعث على الطمأنينة والشعور بالانتماء لأمة الإسلام، وترتفع الدعوات والابتهالات تقرُّبًا من الله - عز وجل - وتُقام في هذه الليلة مسابقات لحفظ القرآن؛ امتدادًا للفعاليات الدينية التي تبدأ من أول يوم من رمضان، وتجمع في هذه الليلة الصدقات لصالح المساجد، والفقراء والمساكين، وتعطِّر النسوة البيوت بالبخور، ويخضبن أيديهن بالحناء.
كما أن الكثير من العائلات الجزائرية تحرص على ختان أبنائها ليلة السابع والعشرين من رمضان؛ تيمُّنًا بهذه الليلة المباركة، وتجنبًا لمصاريف قد تثقل كاهل الأولياء إذا ما كان الختان في غير رمضان؛ حيث يرتدي الطفل لباسًا جزائريًّا تقليديًّا، وتخضب كفَّيه بالحناء، ويتصدَّر المجلس كالعريس، بحضور الأقارب والأهل والجيران.
وللأطفال الصغار نصيب من التميز في هذا الشهر الفضيل، فقد جرت العادة في البيوت الجزائرية أن يُحتفل بأول صيام للأطفال، فيكرم الطفل الصائم تشجيعًا له على تجلُّده بالصبر، وامتناعه عن الأكل والشرب طيلة اليوم، وتهييئًا له لصيام رمضان كاملاً مستقبلاً، وغالبًا ما يتم اختيار ليلة النصف من رمضان أو ليلة السابع والعشرين منه للاحتفال بذلك.
ومع اقتراب عيد الفطر، يسعى الأولياء لإدخال الفرحة على قلوب الصغار، فيقصدون في أواخر ليالي رمضان المحلات التجارية لشراء ملابس العيد، وتعمل ربات البيوت على شراء ما يلزم لتحضير حلويات العيد، وقد غزت في السنوات الأخيرة ظاهرة شراء الحلويات بدلاً من صنعها، خصوصًا بالنسبة للمرأة العاملة.
ويبقى أن أقول للجميع: "صحَّ فطوركم"!