بدأ نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) دعوة قومه إلى إفراد الله بالألوهية ونبذ الشرك وترك عبادة ما دونه، واستمر في دعوته إلى هذه الكلمة "لا إله إلا الله" ثلاث عشرة سنة لا يزاحمها أي عبادات أو أحكام أخرى إلى أن ترسّخت العقيدة الصحيحة في نفوس المؤمنين وبعد ذلك فرضت أول عبادة في الإسلام وقد فرضت في السماوات العلا وكانت العبادةالوحيدة في ذلك؛ إنها الصلاة.
فتأمل أخي القارئ عظم هذه العبادة وفضلها عن سائر العبادات؛ كونها الفريضةالأولى في الإسلام بعد التوحيد، والعبادة الوحيدة التي فرضت في السماء؛ فإذا أضفنا لذلك كونها الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وأول ما يحاسب به العبد يوم القيامة، وأنها عمود الإٍسلام اتضح مدى أهمية هذه العبادة العظيمة للمسلم.
فكفى بإضاعة فضلها عقوبة وخسراناً لتاركها؛ وأمّا عقوبة تارك الصلاة حقاً فهي على قسمين؛ قسم متفق عليه وقسم اختلف فيه بين علماء المسلمين.
أمّا المتفق عليه فقد قال العلامة ابن القيم -رحمه الله- : (( لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمداً من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وأنّ إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال، ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة))-١-
وأمّا القسم المختلف فيه فهو كفر تارك الصلاة لقوله (صلى الله عليه وسلم) : (( العهد الذي بينا وبينهم ترك الصلاة ، فمن تركها ، فقد كفر ))أخرجه أحمد وصححه الألباني ، وقوله (صلى الله عليه وسلم) : (( بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة )) رواه مسلم فجمهور العلماء على كفر من تركها جاحداً لها منكرأ لحكمها؛ وأمّا من تركها تكاسلاً فقط فلا يدخل في الحديث، و هناك من العلماء من قال بكفره لمجرد تركها لأنّ ظاهر لفط الحديث يدل على ذلك وهو قول كثير من العلماء الكبار من المتقدمين والمتأخرين.
والمتأمل في هذه العقوبات والآثام المترتبة على ترك هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الدين، يجد في المتفق عليه منها ما يكفي ويزيد ليردعه عن التهاون فيها فضلاً عن تركها وفي النهاية هذه دعوة للتأمل في قول الله -عز وجل- : ((فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً))(مريم) وقول نيبنا (صلى الله عليه وسلم) : ((أول ما يُحاسَبُ به العبدُ يومَ القيامةِ الصلاةُ ، فإنْ صلحَتْ صلحَ له سائِرُ عملِهِ ، وإن فسدَتْ فسَدَ سائِر عملهِ )) السلسلة الصحيحة
________________________________________
١- (كتاب الصلاة وحكم تاركها) صفحة رقم(٦) للعلامة ابن القيم رحمه الله تعالى