كان يا مكان :_يا سعد يا اكرام ولا يحلي الكلام الا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام[/b]
يُحكى إنّه عاش في قديم الزمان في مملكة صغيرة عند حدود البحر فتىً وسيم، ولكنّه مغرور وكسول، لا يرغب في أن يمتهن أيّ عمل، يقضي نهاره مفتوناً بجماله، مهتماً بأناقته، ويلقي بجميع الأعباء على أمّه العجوز، التي تبيع السمك والخبز للناس، وتنفق من ثمنها الزهيد على نفسها وعلى ابنها الوسيم الكسول، كانت الأم تغري ابنها بالعمل، وتحضّه عليه، لكن الفتى لم يكن يستجيب له، ويقول مُستهزئً: كيف تريدين أن أعمل وأنا بهذه الوسامة؟!
بقي الفتى الوسيم على كسله إلى أن ماتت أمّه، وانفضّ من حوله المعزون، وبدأ يشعر بالوحدة والجوع، بحث طويلاً عن أيّ طعام في بيته، ولكنّه لم يجد، طرق أبواب الجيران ليقدموا له شيئاً من الطعام، فطردوه شرّ طرده، ونعتوه بالكسول المغرور، ولم يبالوا بجماله.
مرّ بجماعة من الفتيات اللواتي يجلسن إلى نبعة ماء، وطلب منهن أن يعطينه شيئاً من الطعام الذي معهن؛ لأنّه وسيم، ويستحق الاهتمام، لكن الفتيات كرهن غروره، وطردنه قائلات: ليست وسامة الرجل في وجهه بل في ما يتقن من العمل.
حزن الفتى المغرور لأوّل مرة في حياته، وقرّر أن يتوجه إلى المدينة، لعّله يجد هناك من يأويه ويطعمه لوسامته، بعد جهدٍ وصل إلى المدينة، كانت تعجّ بالناس والبضائع، لم يهتم بوسامته أيّ أحد، ولم يقدم له أي إنسان الطعام تقديراً لبهي طلعته، بحث طويلاً عن عمل يناسب وسامته وأناقته، ولكنّه لم يجد، فاضطر آسفاً إلى أن يعمل حمالاً يحمل أكياس الطحين، وينقلها إلى بيوت المشترين، لكنّه سرعان ما طُرد، فقد كان كسولاً، ضعيف الجسد، فجسده اعتاد على الراحة، لا على العمل، عمل مرةً أخرى في بيع الخبز والسمك، ولكن البضاعة كسدت معه؛ لأنّه كان معنياً بهندامه أكثر من بيع بضاعته، ويرفض أن يذهب إلى الحارات القديمة، كي لا يتغبّر خفّه، وأخيراً قرر أن يعمل في صيد الأسماك، ولكنّه أخفق في ذلك تماماً، فقد كان ملولاً، ينفر من رائحة السمك التي تعلق بملابسه، ويرفض أن يشارك الصيادين في حمل الشباك، وجذبها من البحر.
من جديد عاد الفتى المغرور جائعاً، لا مأوى له، سار وحيداً في طرقات المدينة، ساقته قدماه إلى حلقة علم، وجد الناس يتحلقون حول رجلٍ دميم الخلقة، ولكنّه وقور، عرف من الناس أنّه عالم، وأنّ الناس تهتم بعقله وبعلمه، ولا تبالي بوجهه، أكان وسيماً أم دميماً.
عرف الفتى المغرور أنّ الجمال في العقل والروح لا في الوجه، وإن كان الوجه المليح يستوجب أن نشكر الله عليه، وأن العلم والعمل هما طريق السعادة واحترام الناس. تعلّم الفتى حِرفة صيد الأسماك بعد جهدٍ ومثابرة، واستفاد من قوة جسده الذي دربّه بالعمل، وصقله بالتمارين، حتى أصبح مفتولاً عفيّاً، ليحصّل الرزق الحلال، وبذلك استحق احترام الناس وإعجابهم.