تشكّل الجنّة وما فيها من النّعيم محوراً هاماً في حياة المسلم فهو في سعيه وما يبذله من العمل والجهد في الحياة الدّنيا يسعى لتحصيل الجنّة فهي الثّمرة المرجوّة والغاية المنشودة والهدف السّامي الأعظم، وقد سعى سلفنا الصّالح لنيل الجنّة فقدّموا المهج والأرواح رخيصةً في سبيل ذلك، فالمجاهد وهو ينازل الأعداء في ساحات الوغى يرى الجنّة بين نضال السّيوف كأنه يراها عياناً فمن تعلّق قلبه بالجنّة أدرك صورتها لا محالة في قلبه فوجد ريحها عبيراً يسري في جسده وروحه، والجنّة لا خطر لها فهي نور يتلألأ ترابها المسك والزّعفران لا ترى فيها إلا ما يسعد النّفس ويطرب الجنان قد ملئت بالحور الحسان، لكل منهنّ قصر ومكان، يغنّين فيه بأحلى الألحان، وترى الخضرة وكلّ أنواع الثمار، ما لم يخطر على الجنان، فيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين ويطمئن القلب وترتاح الأركان .
وعندما يدخل المؤمنون الجنّة تستقبلهم الملائكة ويقولون سلام عليكم، فيدخلوها وهم أعرف إلى أماكنهم فيها أكثر من معرفتهم بمنازلهم في الدّنيا، فيحضّر لهم الطعام ويكون أول طعامٍ يتناولونه في الجنّة كما صحّ عن النّبي عليه الصّلاة والسلام هو زيادة كبد الحوت، وهو القطعة الزّائدة المتعلّقة بكبد الحوت وهي ألذ ما في الحوت في الطّعم والرّائحة وقد قيل أنّها أبرد قطعةٍ في الكبد تعطي السّكينة والرّاحة لآكلها بعد حرارة الموقف والعرض على الله سبحانه وتعالى، فقد ثبت عن النّبي صلى الله عليه وسلّم أن جميع الخلق يعرضون بأعمالهم أمام الله تعالى، وتدنو الشّمس من الخلائق فمنهم من يبلغ العرق ركبتيّه ومنهم من يبلغ حقويّه ومنهم من يغمره العرق، أعاذنا الله من النّار وعذابها، ثمّ يؤتى المؤمن كتابه بيمينه ويؤتى الكافر كتابه بشماله، فربما والله تعالى أعلم ناسب أن يكون طعام أهل الجنّة بعد هذا الموقف الرّهيب طعاماً زكياً مرئاً سهلاً يرطّب على قلوبهم وتسكن بهم أرواحهم ونفوسهم، فلنجتهد بالعمل الصّالح نسعى لمرضاة الله سبحانه ليورثنا برحمته الجنّة، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه .