جاء نفرٌ إلى الرّسول صلّى الله عليه و سلّم يشكون منه تغيّر أحوالهم و ميل قلوبهم إلى الدّنيا و زينتها فعندما يكونون مع رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يكونون على درجة من الإيمان عظيمه ، فإذا انقلبوا إلى أهليهم وجدوا قلوبهم تغيّرت و تحوّلت ، فبيّن لهم رسول صلّى الله عليه و سلّم بأنّهم بشرٌ وأنّهم لن يبلغوا درجة الملائكة و أنّهم لو بقيت قلوبهم على ما كانت عليه من الإيمان و تذوّق حلاوته لصافحتهم الملائكة في الطرقات ، فالإيمان يزيد و ينقص من وقتٍ لآخر و من حال لحال ، فتمرّ على المسلم أوقاتٌ يشعر بلذة الأيمان و حرارته في قلبه و تراه يزهد في متاعها و زينتها و يقبل على مناجاة ربّه و التّبتّل له و تراه أحيانا قد خارت قوته فكسُل قليلاً و فترت همته ، لذلك حثّ ديننا على المداومة على الطّاعة و إن كانت قليلة فأحبّ العبادة إلى الله سبحانه و تعالى أدومها و إن قلّت لأنّ النّفوس تملّ و تكلّ كما تملّ الأبدان و قد دعا الرسول صلّى الله عليه و سلّم إلى الرّفق بالنّفس و في الحديث إنّ الله لا يملّ حتى تملوا ، فالمطلوب هو تحقيق عبادة الله سبحانه على وجهها بدون إفراطٍ أو تفريط .
و قد بيّن الرّسول صلّى الله عليه و سلّم كيف يستشعر المؤمن حلاوة الإيمان في قلبه بإيجاد مسبباتها ، فالمسلم الذي يحب الله و رسوله أكثر من غيرهما و ما سواهما يجد حلاوة الإيمان في قلبه ، و كذلك أن يربط المسلم محبته للنّاس في الله و ذاته جلّ و علا فلا يحبّ إلا لله و لا يبغض إلا في الله و في الحديث من أحبّ لله و أبغض لله فقد استكمل الإيمان ، و كذلك من يكره أن يعود إلى الضّلال و الكفر كراهيته أن يقذف في النّار ، من وجد ذلك كله استشعر حلاوة الإيمان في قلبه فزاده ذلك تمسكاً و يقيناً بدينه و منهج ربّه ، و لا ريب بأنّ ترك المعاصي و الآثام مما يولّد في قلب المسلم حلاوة إيمانٍ عجيبةٍ و لذةً في العبادة و في مناجاة الله فتراه تسقط عَبراته من غير إرادة أو تكلّف .