للدعاء منزلة عظيمة في الدين ، فهو من أعظم أسباب تفريج الهموم ، وكشف الكروب ، ودفع البلاء ، كما أن فيه إظهار التذلل والافتقار إلى الله ، والتوكل عليه ، وهذه هي حقيقة العبودية .
ولذلك قال - - : ( الدعاء هو العبادة ) رواه الترمذي أي حقيقتها وركنها الأعظم ، وأخبر أنه ( ليس شيء أكرم على الله من الدعاء ) كما عند ابن حبان ، والحج من أعظم المواسم التي يستحب للعبد فيها الإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى ، وتجتمع فيه من دواعي الإجابة مالا تجتمع في غيره من المواسم ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - - قال: ( الغازي في سبيل الله ، والحاج ، والمعتمر ، وَفْدُ الله دعاهم فأجابوه ، وسألوه فأعطاهم ) رواه ابن ماجة .
وأما ذكر الله فهو من أعظم غايات الحج ومقاصده قال تعالى : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً ، فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ، ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب ، واذكروا الله في أيام معدودا ت } ( البقرة 199- 203 ) ، وقال سبحانه : { ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } ( الحج 28 ) ، بل إن أعمال الحج وشعائره لم تشرع إلا من أجل إقامة ذكر الله تعالى ، كما يدل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - - قال : ( إنما جعل الطواف بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله ) رواه الترمذي ، وحديث نبيشة الهذلي رضي الله عنه أن رسول الله - - قال : ( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله ) رواه مسلم .
وهناك مواطن يستحب للحاج الدعاء عندها ، وتكون الإجابة فيها أرجى من غيرها ، فمن هذه المواطن : الدعاء في الطواف ، وليس هناك دعاء محدد لكل شوط ، بل يدعو العبد بما أراد من خيري الدنيا والآخرة ، والمنقول من دعائه عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول بين الركنين وهما - الحجر الأسود والركن اليماني - : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ) رواه أبو داود، ومن المواطن الدعاء على الصفا والمروة ، يقول جابر وهو يصف حجته - - كما في صحيح مسلم : ( فبدأ بالصفا ، فرقى عليه حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة ، فوحد الله ، وكبَّره ، وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا إله الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم دعا بين ذلك ، قال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل المروة حتى إذا انصبَّت قدماه في بطن الوادي سعى ، حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل في الصفا ) ، ومنها الدعاء يوم عرفة قال : ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة ) رواه الترمذي ، وقد ظل نبينا عليه الصلاة والسلام في هذا اليوم من بعد الزوال وهو على ناقته رافعاً يديه إلى صدره داعياً مبتهلاً حتى غربت الشمس ، ومن مواطن الدعاء الدعاء عند المشعر الحرام في مزدلفة ، يقول جابر في الحديث السابق : ( ثم ركب القصواء حتى إذا أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة ، فدعاه ، وكبره ، وهلله ، ووحده ، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جدا ) ، ومن المواطن أيضاً الدعاء في أيام التشريق عند الجمرتين الصغرى والوسطى ، فقد كان عليه الصلاة والسلام يقف عندهما بعد أن يرمي فيستقبل القبلة ، ويقوم قياماً طويلاً رافعاً يديه يدعو ، ومن مواطن الدعاء الدعاء عند الشرب من ماء زمزم ، لقوله - - : ( ماء زمزم لما شرب له ) رواه أحمد وغيره .
فينبغي عليك - أخي الحاج - أن تغتنم أيام حجك في الإكثار من ذكر الله والدعاء بخيري الدنيا والآخرة لنفسك وأهلك وأولادك وإخوانك المسلمين ، واحرص على الأدعية المأثورة الجامعة ، والالتزام بآداب الدعاء من حضور القلب ، ورفع الأيدي ، واستقبال القبلة ، والثناء على الله ، إلى غير ذلك من الآداب المعروفة ، واحذر الموانع التي تمنع الإجابة وتحبط العمل ، من دعاء غير الله ، أو أكل الحرام ، أو استعجال الإجابة أو غيرها من الموانع .
فالموفق من تأسى بنبيه في ذلك ، وأكثر من التضرع والابتهال والمناجاة ، وأظهر الافتقار والاحتياج إلى ربه ، وأدى نسكه بقلب حاضر ولسان ذاكر