كثيرا ما كانا يقضيان الساعات الطوال باللهو معا ، ربما كان هذا متنفسا جيدا للصغيرة .
عندما كانت رغد تسكن غرفتي ، كانت كلما بقيت ُ في الغرفة لسبب أو لآخر،أتت هي الأخرى و عكفت على دفتر تلوينها بسكون ...
كنت ُ أستذكر دروسي و ألقي عليها نظرة من حين لآخر ... و كان ذلك يسعدني ...
بعد أن استقلت في غرفتها ، لم أعد أراها معي ...
كانت كثيرا ما تقضي الوقت الآن مع سامر في اللعب !
في أحد الأيام ، عدت ُ من المدرسة ، و حين دخلت ُ البيت وجدت ُ الصغيرة تشاهد التلفاز ...
" رغد ! لقد عدت ! "
و فتحت ذراعي ، فهي معتادة أن تأتي لحضني كلما عدت من المدرسة ، كأنها تعبر عن شوقها و افتقادها لي ...
ابتسمت الصغيرة ثم قفزت قاصدة الحضور إلي ، و في نفس اللحظة دخل شقيقي سامر إلى نفس الغرفة و هو يقول :
" أصلحته يا رغد ! هيا بنا "
و بشكل فاجأني و لم أتوقعه ، استدارت ْ إلى سامر و ركضت نحوه ، و غادرا الغرفة سويا ...
ذراعاي كانتا لا تزالان معلقتين في الهواء ... بانتظار الصغيرة ...
نظرت من حولي أتأكد من أن أحدا لم ير َ هذا ... قد يكون موقفا عاديا لكنني شعرت ُ بغيط و خيبة لحظتها ... ما الذي يشغل رغد عني ؟؟
لحقت بالاثنين ، فرأيتهما يركبان دراجة سامر التي يبدو أن خللا كان قد أصابها مؤخرا و أصلحه سامر قبل قليل ...
كانت رغد في غاية السرور و هي تجلس على مقعد خلفي ، و سامر ينطلق بدراجته الهوائية مسرعا ...
ذهبت إلى غرفتي و استلقيت على سريري و أخذت أفكر ...
مؤخرا ، ظهرت أمور ٌ عدة تشغل الصغيرة ... كالمدرسة و الواجبات المدرسية و صديقاتها الجدد ... و دفاتر تلوينها الكثيرة ... و اللعب مع سامر !
طردت الأفكار التي استتفهتها فورا من رأسي و انصرفت إلى أمور أخرى ...
إنها السنة الأخيرة لي في المدرسة الإعدادية و والدتي تعمدت إبعاد رغد عني قدر الإمكان لأتفرغ لدراستي .
رغد ... رغد ... رغد !
لماذا لا أستطيع طردها الآن من رأسي ؟؟ إنها طفلة مزعجة لا تحب غير اللعب و العناية بها كانت مسؤولة كبيرة و مضجرة ألقيت على عاتقي و ها أنا حر أخيرا !
في الواقع ، ظل التفكير بهذه الصغيرة يشغلني طوال ذلك اليوم ... لم أستطع التركيز في الدراسة ، و قبيل غروب الشمس قررت القيام بجولة في الشارع على الأقدام ، علني أطرد رغد من دماغي ...
الجو كان لطيفا و نسماته عليلة و قد استمتعت بنزهتي الصغيرة ...
التقيت في طريقي بشخص أبغضه كثيرا ! إنه عمّار ...
عمار هذا هو الابن الوحيد لأحد الأثرياء ، و هو زميلي في المدرسة ، ولد بغيض مستهتر سيئ الخلق ، معروف و مشهور بين الجميع بانحرافه و فساده ... و كان آخر شيء أتمنى أن ألتقي به و أنا في مزاجي العكر هذا اليوم !
" وليد ؟ تتسكع في الشوارع عوضا عن الدراسة !؟ لسوف أفضحك غدا في المدرسة "
قال لي هذا و أطلق ضحكة قوية و بغيضة ، أوليته ظهري و ابتعدت متجاهلا إياه
قال :
" انتظر ! لم لا تأت ِ معي نلهو قليلا ؟ و أعدك بأن تنجح رغم أنف الجميع ! مثلي "
استدرت إلى عمّار و قلت بغضب :
" حلّ عني أيها البغيض ! لا يشرفني التحدث إلى شخص مثلك ! أيها المنحرف الفاسد "
لا أدري ما الذي دفعني لقول ذلك ، فأنا لم أعتد توجيه مثل هذا الكلام لأي كان ...
و لكني كنت مستاءا ...
عمار شعر بغيظ ، و سدد نحوي لكمة قوية موجعة و تعاركنا !
منذ ذلك اليوم ، و أنا و هو في خصام مستمر ، هو لا يفتأ يستفزني كلما وجد الفرصة السانحة لذلك ، و أنا أتجاهله حينا و أتعارك معه حينا آخر ...
و الأمر بيننا انتهى أسوا نهاية ... كما سترون ...
في طريق عودتي للبيت ، مررت بإحدى المكتبات ، و وجدت نفسي أدخلها و أفتش بين دفاتر تلوين الأطفال ، و أشتري مجموعة جديدة ... من أجل رغد
إنني سأعترف ، بأنني فشلت في إزاحتها بعيدا عن تفكيري ذلك اليوم ... لقد كانت المرة الأولى التي تترك فيها ذراعي ّ معلقين في الهواء ... و تذهب بعيدا
حين وصلت إلى البيت ، كانت رغد في حديقة المنزل ، مع سامر و دانة ، كانوا يراقبون العصفورين الحبيسين في القفص ، و اللذين أحضرهما والدي قبل أيام ...
كانت ضحكاتها تملأ الأجواء ...
كم هي رائعة هذه الطفلة حين تضحك !
و كم هي مزعجة حين تبكي !
اعتقدت أنني لن أثير انتباهها فيما هي سعيدة مع شقيقي ّ و العصفورين ... هممت بالدخول إلى داخل المنزل و سرت نحو الباب ... و أنا ممسك بالكيس الصغير الذي يحوي دفاتر التلوين ...
" وليــــــــــــــد " !
وصلني صوتها الحاد فاستدرت للخلف ، فإذا بها قادمة تركض نحوي فاتحة ذراعيها و مطلقة ضحكة كبيرة ...
فتحت ذراعي و استقبلتها في حضني و حملتها بفرح و درت بها حول نفسي بضع دورات ...
" صغيرتي ... جلبت ُ لك ِ شيئا تحبينه ! "
نظرت إلى الكيس ثم انتزعته من يدي ، و تفقدت ما بداخله
أطلقت هتاف الفرح و طوّقت عنقي بقوة كادت تخنقني !
بعدها قالت :
" لوّن معي ! "
ابتسمت ُ برضا بل بسعادة و قلت :
" أمرك سيدتي ! "
اعتقد ... بل أنا موقن جدا ... بأنني أصبحت مهووسا بهذه الطفلة بشكل لم أكن لأتصوره أو أعمل له حسابا ...
و سأجن ... بالتأكيد ... فيما لو حدث لها مكروه ٌ ... لا قدّر الله ....