تشكّل الحياة بعد الموت هاجساً لدى كثيرٍ من النّاس ، ففكرة البعث و الحياة البرزخيّة موجودةٌ منذ القدم و كان ممّن اعتقد بها قدماء المصريّين الذين كانوا يؤمنون بالحياة بعد هذه الحياة الدّنيا فكانوا الفراعنة يحنّطون أجسادهم و يولون ذلك رعايةً خاصّةً ، فالحياة البرزخيّة أو حياة القبر هي مسألة غيبيّة بشكلٍ عامٍّ لا يعلم تفاصيلها إلا الله سبحانه و تعالى ، و إن كان قد وصل إلينا عن النّبي صلّى الله عليه و سلّم رواياتٍ في تقرير حقيقة حياة القبر و ما يجري على أجساد الأموات من النّعيم أو العذاب ، فقد تعوّذ النّبي عليه الصّلاة و السّلام من عذاب القبر و مرّ على رجلان يعذّبان و جلس على قبرهما يعظ النّاس ، و بيّن أنّها يعذّبان و ما يعذّبان في كبيرٍ أي أنّ ما يعذّبان عليه كبيرٌ عند الله و إن لم يكن كذلك بمنظور البشر فأحدهما كان يمشي بالنّميمة و الآخر كان لا يتنزّه من بوله ، و قام النّبي عليه الصّلاة و السّلام بوضع نبتةٍ حيّة و زرعها في قبرهما لعلّ الله يخفّف عنهما بتسبيحها مادامت حيّةً لم تجف .
فحقيقة عذاب القبر قد أكدّها النّبي صلّى الله عليه و سلّم في مواطن كثيرةٍ ، فقد بيّن أنّ للقبر ضمّةً لو نجى منها أحدٌ لنجى منها الصّحابي الجليل سعد بن معاذ الذي اهتز عرش الرّحمن لموته ، و كذلك بيّن النّبي صلّى الله عليه و سلّم في حديثٍ آخر أنّ هذه الأمة تبتلى في قبورها و تفتن و تعذّب و لكن منعه من الحديث عن ذلك خشيةً من أن يتردّد النّاس في دفن موتاهم ، و في روايةٍ أنّ الإنسان إذا دفن في قبره و رحل النّاس عنه و تولّوا حتى يسمع قرع نعالهم أتاه رسل ربّه و سألوه عن النّبي الذي بعث فيهم ، فإذا شهد بذلك و كان جوابه إيجابياً أرته الملائكة مقعده من النّار الذي أبدله الله به مقعداً في الجنّة ، فيفرح بذلك أشدّ الفرح ، أما الكافر و الضالّ حين تأتيه رسل ربّه فلا يحسن الجواب فإنّها تضربه بمطرقةٍ من حديدٍ يسمع صوتها من يليه إلا الإنس و الجان ، و قد تقرّرت حقيقة عذاب القبر في آياتٍ كثيرةٍ منها قوله تعالى ( سنعذّبهم مرتين ثمّ يردّون إلى عذابٍ عظيم ) .