كان السلطان يغمراسن في بداية حكمه يقيم في القصر القديم بتلمسان العليا (تاقرارت) 1، إلى غاية بناء صومعة المسجد الجامع؛ فصارت المئذنة تطل على القصر وتشرف على صحنه. عندئذ اضطر السلطان إلى تغيير مقر إقامته حتى لا يترك مجالا للمؤذن وغيره، من رؤية داخل القصر السلطاني والتعرف على ما يدور فيه، وحتى لا يعرض حريمه لنظرات المتطفلين؛ فقرر تشييد قصر جديد يليق بمقام الملوك، ويتطابق وتقاليد السلاطين المسلمين في ذلك الوقت. فاختار مكانا بجنوب المدينة وبنى فيه قصره، وهو عبارة عن قلعة أو قصبة، وسماه المشور تمييزا له عن القصر القديم. فاتخذه مقرا رسميا لإقامته وإقامة خلفائه من بعده، وأنزل به الحاشية والحشم ورجال الدولة، وكان يستقبل فيه الأمراء والسفراء الأجانب، وفي قاعاته تنظم حفلات الاستقبال والسمر .
ويبدو أن صرحه شيد في المكان الذي نصب فيه يوسف بن تاشفين المرابطي خيمته أو صرادقه، حينما حاصر مدينة "أقادير"، وقام بتخطيط القصر على شكل قلعة مستطيل الشكل طول ضلعه 490م وعرضه 280م 2. ومعنى المشور، المكان الذي يعقد فيه أمير المسلمين السلطان اجتماعاته مع وزرائه وكتابه وضباطه، لمناقشة شؤون الدولة والتشاور في أمور الرعية وقت السلم ووقت الحرب. وفي سنة 717هـ/1317م أضاف له السلطان أبي حمو موسى الأول (707-718هـ/1307م-1318)، معلمين معماريين آخرين هما قصر ومسجد خاص بالأمراء ورجال الدولة والأعيان، يؤدون فيه صلاة الجمعة والصلوات الخمسة 3. يحيط بالمشور سور عالي، يضم قصورا عديدة صغيرة إلى جانب قصر السلطان، مبنية بأسلوب معماري فني بديع ومزينة بزخرفة رفيعة. ويحتوي القصر على سقايات ونافورات وبساتين، له بابان أحدهما يقع في الجنوب ويطل على البادية تجاه الجبل، والثاني يقع في الشمال الغربي باتجاه وسط المدينة، ويقيم بجواره رئيس الحرس 4. أطلق على الباب الجنوبي اسم باب جياد ويدعى الباب الشمالي بـ:باب الغدير. وللقصر ساحات وشوارع ودروب، ومنازل أخرى بداخله مخصصة للحاشية والكتاب والضباط والخدم، وكان بالمشور مجموعة من المخازن والمطامير ، لتخزين الحبوب واللحوم والمؤن المختلفة 5. والظاهر أن القصر السلطاني، يتميز عن غيره من القصور والدور بشكله وسعته ومحتواه، حيث كان مزين بالرخام والفسيفساء الملونة التي تكسو قاعته وجدرانه، مبلط بالجبس الأنيق، والسقوف الخشبية المدهونة، والثريات النحاسية الفخمة التي تحمل قناديل الزيت والشموع. وكانت أرض القصر السلطاني في معظمها مبلطة بالزليج الملون، وتتخلل القصر أحواض من الزهور والأشجار المثمرة، ونافورات المياه كما هو الشأن في القصور السلطانية بفاس وغرناطة وتونس، فهو معلم من المعالم العمرانية الزيانية الرائعة، المتأثرة مما شك فيه بالهندسة المعمارية الأندلسية . ومن البديهي أن منازل رجال الدولة والبلاط كانت أصغر حجما وأقل زخرفة من قصر السلطان، وكانت هذه المساكن تحيط بالقصر الكبير والمسجد، ولعل المشور كان يحتوي على سجون كغيره من القلاع، يحبس فيها المناوئون من الأسرة الحاكمة والوزراء والكتاب والقادة الضباط وغيرهم من الأعيان ومن خاصة الناس، وتسمى الدويرة (الدار الصغيرة)، ولعلها زنزانات صغيرة تشبه السجن الانفرادي. وكان هناك سجن آخر بالقصر القديم يسمى بدار "الناريج"، التي تنقسم إلى دويرات. وقد حدث أن سجن أحد وزراء بني عبد الواد في سجن هذه الدويرة ثم أخرج منها ليضرب بالسياط، ولما رآهم السلطان من شرفة قصره أمرهم بتوقيف العذاب، إلى ما بعد صلاة الجمعة 6.ويبدو أن بعض السلاطين الزيانيين جددوا أسوار المشور وقاموا بتوسيعه، ولا سيما بعد هدمها من طرف الغزاة الذين حاصروا تلمسان عدة مرات. وتشير النصوص التاريخية إلى أن السلطان أحمد بن أبي حمو الزياني الثاني (834-866هـ/144-1464م) فكر في تجديد بناء سور المشور وتوسيعه، فاضطر إلى مصادرة كثير من دور الرعية ومنازلهم، والتي كانت متصلة أو قريبة من القصر السلطاني، فأمر بهدمها حتى يتمكن من تنفيذ مشروع الزيادة والتحصين وكان ذلك سنة (850هـ-1446م)